هكذا يفكر نتنياهو فماذا نحن فاعلون. في المقال المرفق يسلط الكاتب اللبناني سميح صعب الضوء على الهدف الحقيقي والجائزة الكبرى التي يسعي إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والتيار الداعم له وشركاؤه الأكثر تطرفاً في الائتلاف الحاكم، والمتمثل في إعلان ضم الضفة الغربية. وأشار صعب إلى أن حديث نتنياهو المتكرر عن تغيير خريطة الشرق الأوسط، إنما يشير بالأساس إلى إعلان ضم الضفة الغربية والبدء في عملية ممتدة لتهجير الفلسطينيين إلى الأردن، في إحياء لفكرة الدولة الفلسطينية البديلة أو ما يعرف في أدبيات اليمين الصهيوني منذ مطلع الثمانينات بـ "الخيار الأردني".
وبغض النظر عن التعقيدات التي تعترض مثل هذا السيناريو والتي أشرت إليها سابقاً في مقالي المنشور على موقع المشهد يوم 20 سبتمبر "الضفة الغربية جبهة منسية تشتعل"، فإن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض أحيت الآمال لدى نتنياهو ومعسكره في تحقيق هذا التصور الذي كان يدور الحديث بشأنه في ولاية ترامب الأولى حينما كان صهره جاريد كوشنر يتولى مسؤولية ملف الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأمريكي، وحينما كان ترامب يصرح بأن من الممكن التفكير في حل للمشكلة الفلسطينية، بعيداً عن فكرة "حل الدولتين".
يمكن النظر إلى إعادة طرح الفكرة من قبل نتنياهو ووزير ماليته يتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب "الصهيونية المتدينة" في سياق التسابق على إعادة ترتيب الأوراق في الشرق الأوسط قبل تنصيب الرئيس الجمهوري رسمياً في العشرين من يناير القادم، وكمناورة للتعامل مع أي تغير محتمل في رؤية ترامب للوضع في الشرق الأوسط، الذي أعلن أن هدفه الأول هو وقف الحرب في غزة وفي لبنان وفي أماكن أخرى من العالم.
إن نتنياهو وأركان حكمه ومؤسساته البحثية ومراكز التفكير الإسرائيلية والأمريكية التي تدعمه يدركون جيداً أن شعار "وقف الحرب" هو الذي مكن ترامب من تحقيق هذا الفوز الانتخابي الكبير لأن غالبية الناخبين في الولايات المتحدة وفي العالم يتطلعون إلى زعماء قادرين على إنهاء الحروب وإعادة الاستقرار للعالم، فللحروب التي تضمن مخاطر كثيرة، في مقدمتها احتمالات التصعيد إلى حرب كونية نووية، تكلفة باهظة يتحملها المدنيون في المقام الأول. فنتنياهو يدرك أن سياسات ترامب الجديدة ستتعارض حتما مع هدفه المتعلق بمواصلة الحرب حتى تحقيق "النصر المطلق"، الذي يعني القضاء على كل مصادر التهديد لأمن إسرائيل، وهو أمر مستحيل، فلا توجد دولة في العالم تمكنت من القضاء على التهديدات الموجهة لها، داخلية كانت أم خارجية، بما ذلك الولايات المتحدة، فما بالنا بإسرائيل التي تحتل أراضي الفلسطينيين وتنكل بهم، كيف لها أن تنعم في مثل هذا الوضع بأي صورة من صور الأمن..
لم تنتبه مراكز التفكير هذه إلى ما تعرض له مشجعو فريق كرة القدم الإسرائيلي مكابي تل أبيب في أمستردام، عاصمة هولندا، والذي أعلنت آنا جوزيف، عضو في مجلس إدارة منظمة "إرف راف" اليهودية الهولندية المناهضة للصهيونية بشجاعة أنهم يتحملون مسؤولية أعمال الشغب والعنف التي اندلعت بعد مباراة أمام أياكس أمستردام في الدوري الأوروبي لكرة القدم. قد يشجع موقف السلطات الهولندية التي ألقت القبض على "مثيري الشغب" المناهضين لإسرائيل والفريق نتنياهو على المضي في غيه. لكن خطورة نهج استرضاء appeasement الذي تتبعه الحكومات الغربية، بما في ذلك الحكومة الأمريكية إزاء نتنياهو يذكرنا بذات النهج الذي اتبعته حكومات أوروبية مع أدولف هتلر في الثلاثينات وتشجيعه على مهاجمة الاتحاد السوفيتي والحركات الشيوعية هو الذي انتهى بكارثة كبرى لم تقف عند حدود القارة العجوز. إن إدارة أمريكا القادمة أمام اختبار جدي مع إصرار نتنياهو على مواصلة حرب وعد ترامب بإنهائها.
كذلك يواجه نتنياهو اختباراً صعباً مع تعالي أصوات داخل معسكره تعلن معارضتها لأي توجهات لا ترضى عنها من قبل الولايات المتحدة وتتحداها مشددة على أن إسرائيل مستقلة، في تجاهل لحقائق الصراع التي تشير إلى أن مشروعهم سيكون في مواجهة تهديد وجودي حقيقي إذا أوقفت واشنطن دعمها العسكري والاقتصادي والدبلوماسي. إن جميع قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالحرب في غزة وفي غيرها من شؤون تمس إسرائيل عُطلت بموجب الاعتراض الأمريكي (الفيتو)، وجربت إسرائيل في أكثر من مناسبة النتائج المترتبة على امتناع الولايات المتحدة عن التصويت. وإمعاناً في الأحلام وفي التصورات المفارقة للواقع، يحلم المتطرفون الإسرائيليون بتهجير أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، متجاهلين حقيقة الفشل في تحقيق هذا الهدف في غزة الحرب المستمرة منذ 13 شهراً، ورغم قواتهم من تعقيدات على الجبهة اللبنانية، وأن سياساتهم لا تفعل سوى توسيع رقعة المقاومة والكراهية، وهذا أحد الدروس المستفادة من تاريخ المواجهة في لبنان حسبما أشار تقرير حديث منشور في الفورين أفيرز.
--------------------------------
بقلم: أشرف راضي